تماماً كالصورة الشخصية .. قصة قصيرة ..

بتاريخ الأحد، 14 فبراير 2010
| 1 تعليق

تماماً كالصورة الشخصية

" هدية غريبة حقاً "
قالتها لأخيها الواقف أمامها، بعدما قدم لهل هديته المتمثلة فى لوحة فنية لشخص ما .. تماماً كالصورة الشخصية لكنها هنا مرسومة بيد رسام محترف .. صورة لرجل فى عقده الخامس أو ربما السادس .. الرأس و الكتفان فقط .. بينما هناك انعدام تام للانفعالات .. تماماً كالصورة الشخصية فعلاً .. هذا الرسام عبقرى جداً ـ هكذا حسبت ـ لو كان ما يريده هو نموذج لصورة شخصية ..
_ " ما هى المناسبة ؟! "
_ " جئت كى أعتذر لك عما بدر منى، و قد اشتريت لك واحدة، و لى واحدة و ... تعرفين هذه الأمور .. "
إذاً فقد قام بهذا كله من أجل مشكلة الأمس .. لكنها لم تعتد هذا منه .. و رغم هذا أقنعت نفسها بالقبول، فالهدية رائعة على كل حال، كما أن سوء الظن الدائم لا يجدى .. و قررت تعليقها فى الصالة، بينما وضع هو نسخته فى غرفة نومه
** ** ** **
فى اليوم التالى عادت فرحة .. الأمور كلها على ما يرام .. نتيجة امتحاناتها رائعة، و علاقتها مع أخيها تحسنت، خاصة بعدما اعتذر، و قدم لها هديته .. و حين تذكرت الهدية نظرت إلى الحائط لتشاهد تلك اللوحة فى مكانها فى صالة المنزل ..
لكن .. هل يبتسم الرجل فى اللوحة ؟! اقتربت أكثر كى تدقق النظر، فقط ليتأكد ظنها .. الرجل علاً يبتسم .. زاويتا فمه، و نظرة عينيه تؤكدا ذلك .. لكنها متأكدة أنها رأته بالأمس بلا انفعالات .. تلك الصورة الجافة التى تهتم فقط بالملامح دون احساس .. تماماً كالصورة الشخصية .. و لكنها كانت قد سمعت من قبل عن لوحة الموناليزا التى تحس أنها تنظر إليك أينما كنت .. و قد فكرت فى هذا .. الفنانين أحياناً لديهم أسرار تظهر فى لوحاتهم، دون أن تعرف طريقتها .. ربما كان هذا هو السبب ، و لو كان كذلك للأثبت عبقرية صاحب لوحتها بالمثل ..
** ** ** **
عادت إلى البيت فى اليوم التالى، و كان فى انتظارها خبر عائلى محزن، شعرت بعده بالأسى الشديد ، و بمجرد أن لمحت اللوحة كانت المفاجأة ..
الرجل فى اللوحة كان حزيناً !! التفاصيل الواضحة و قسمات الوجه لا تكذب .. لو رأت هذه اللوحة من قبل تحت عنوان الحزن الدفين لأقسمت على عبقرية الرسام ، لكن الوقت لم يكن مناسباً لهذاً !!
و هنا انتبهت لشىء ما .. اللوحة فى كل وقت كانت تعبر عنها .. عن احساسها اللحظى .. وقت فرحتها اللوحة مبتسمة، و وقت حزنها تظهر على اللوحة علامات الأسى .. هلى هى لوحة سحرية ؟
أم أن اللة قد بلغت درجة من الشفافية تسمح لها برؤية روحها فيها كالمرأة التى نرى فيها أجسادنا ؟ أم أنه من الممكن أن توثر حالتنا النفسية فيما نراه بهذه الدرجة ؟ هل كان الشاعر يقصد : " كن جميلاً ترى الوجود جميلاً " بهذا المعنى الحرفى ؟!
لم يكن أمامها المزيد من الوقت للتفكير ، فقد كان لديها موعداً فى السينما مع صديقتها، و كان لابد من اللحاق به ..
** ** ** **
طوال طريق العودة كانت تفكر فيما سيحدث عندما تصل .. كانت قد شاهدت فيلماً كوميدياً، ضحكت فيه بشدة ، و ظلت بعدها تفكر فيما سيطرأ على اللوحة .. هل تعود تلك النظرة المبتسمة، لتصيبها بالجنون، أم نظرة اللاانفعال الأولى، فقط لتكتشف أنها كانت تتخيل ..
و عندما وصلت كانت المفاجأة بانتظارها .. رجل اللوحة كان يضحك و كان فمه مفتوحاً بشدة .. من غير المعقول أن تقوك الحالة النفسية أو حتى عبقرية الرسام بفتح الفم بهذا القدر بعدما كان مغلقاً !! قالت لنفسها أن هذه اللوحة غير طبيعية ، و أقدمت على الحل الواقعى الذى رأته حينها ، فرمت اللوحة على الأرض .. بالطبع تكسر الزجاج و البرواز ، بينما انتشلت هى اللوحة من بين الحطام ، و قامت بقطعها عدة أجزاء .. و حينها فقط أحست براحة نفسية كبيرة ..
** ** ** **
لكن اللوحة عادت !!
رأتها حين استيقظت فى الصباح ، و كادت أن تفقد وعيها من الرعب .. كانت اللوحة تستقر مكانها ـ على الحائط ـ فى هدوء ، مع نظرة غاضبة منذرة بالويل ، ارتفع فيها الحاجبان بشدة، لتؤكد نظريتها بأن هذه اللوحة غير طبيعية، و تؤكد أيضاً أن اللوحة تعدت مرحلة المرآة الروحية، ليصبح لها شعور شخصى بالغضب من تلك الفتاة التى كسرتها بالأمس !!
لكن هل يعقل ـ مهما بلغت غرابة اللوحة ـ أن تقوم الأخيرة من مكانها، و تجمع أجزاءها، ثم تصلح البرواز و الزجاج ، و أخيراً تعود لموضعها الأصلى فى هدوء ، مع نظرة الغضب تلك !!
لحظة .. ماذا عن أخيها ؟! أليس من الممكن أن يكون أن يكون هو الفاعل ؟! فقط يحتاج إلى رسام محترف ، و عدة صور متطابقة الملامح، مختلفة الانفعالات، و بعدها يصبح الأمر سهلاً ..
خبر نجاحها و الخبر العائلى المحزن، و ذلك الفيلم الكوميدى .. كلها معلومات سهلة المنال بالنسبة لأخيها ، و تغيير الصور لا يحتاج لأكثر من دقيقة ..
و هنا اندفعت نحو غرفة أخيها لتفاجئه باكتشافها لخدعته ..
** ** ** **
المشهد فى غرفة أخيها لم يكن يحتاج لتفسير ، حيث داست ـ فور دخولها ـ على بقايا لوحة أخيها .. زجاج و برواز .. بينما فى وسط هذا الحطام نفس اللوحة، بنظرة مختلفة شيطانية مرعبة .. بينما حين رفعت عينيها نحو فراش أخيها وجدته مضرجاً فى دمائه، حيث قطعت قطعة زجاج وريده العنقى و الدماء منتشرة فى كل مكان !! طبعاً ليست حالة انتحار، فالانتحار لا يتم بهذا العنف .. التفسير الوحيد هو أن قوة ما حركت قطعة الزجاج لتنفذ المهمة، و هنا فهمت كل شىء ..
كلاهما مر بالتجربة، لكن أحدهما لم يصارح الآخر .. اللوحتان مصدرهما واحد، و كان عليها أن تتوقع هذا .. لابد أن أخاها قد رمى اللوحة أيضاً لنفس الأسباب، لكنه تلقى العقوبة مباشرة.. ربما كان المصير نفسه ينتظرها لو كانت فى غرفة نومها .. و هنا ، و بأعلى صوت تملكه صرخت !! صرخة تجمع بين الرعب و الألم و الفزع ..
** ** ** **
_ " أخفضى صوتك حتى لا يسمعنا الناس !! "
قالها أخوها ، و قد قام من نومته بهدوء عجيب ، و البسمة لا تفارق شفتيه، بينما الدم الصناعى يملأ ملابسه ، بينما اكتفت هى بالتحديق فيه، و ردود أفعال متتالية، دون القدرة على النطق ..
(حالة شديدة من الذهول .. )
_ " هل نمت فى وقت متأخر بالأمس ؟ إن استيقاظك المتأخر كلفنى البقاء فى هذا الوضع ساعة على الأقل "
(المزيد و المزيد من الذهول )
_ " كان المشهد الختامى إلزامياً حتى تكتمل الخدعة !! "
(جحوظ العينين و عدم القدرة على النطق)
_ " هلا رأيت بقية اللوحات ؟! "
قالها و هو يدفع بين يديها بالعديد من اللوحات لنفس الرجل، لكنها تختلف فى الانفعالات بين : اللانفعال، الفرحة، الحزن، الضحك، بينما لك تحتج هى للذكاء ، لتدرك أن لوحة الغضب كانت تستقر الآن فى الصالة، و لوحة النظرة الشيطانية على الأرض أمامها الآن ..
( التصديق و عدم التصديق .. لحظة تشكف الحقيقة )
_ " ما رأيك ؟! "
( عدم القدرة على التفكير .. شلل فكرى على الأرجح )
و رغم عدم قدرتها على الرد، كان يعرف أنها لن تسامحه بسهولة، و أنه لن يستخدم أى لوحة فنية لمصالحتها، خصوصاً لو كانت لوحة فنية ، تماماً كالصورة الشخصية ...
تمت بحمد الله تعالى
15 / 12 / 2009

These icons link to social bookmarking sites where readers can share and discover new web pages.
  • Digg
  • Sphinn
  • del.icio.us
  • Facebook
  • Mixx
  • Google
  • Furl
  • Reddit
  • Spurl
  • StumbleUpon
  • Technorati

الأوراق!!

الأوراق!!