سأنتحر الآن .. قصة قصيرة

بتاريخ الخميس، 29 يوليو 2010
| 5 تعليقات

سأنتحر الآن

قصة قصيرة

يا أول من يقرأ هذه الأوراق ..

أنت الآن أول من يكتشف انتحارى ، إذ أن هذه الأوراق فى غرفة نومى ، كما أنا جسدى الهامد فى نفس المكان ..

إذاً بالتأكيد انت ضابط شرطة ، أو ربما جار فضولى مزعج ، أو حتى أحد أقاربى الذين لا يتذكروننى إلا بين الحين و الآخر .. بل ربما تكون أنت عم بيومى البواب الذى لا يفتأ يذكرنى بتأخرى عن موعد دفع الإيجار .. بلى .. أنت بالتأكيد عم بيومى لأن غداً _ اليوم بالنسبة لك _ موعد دفع الإيجار هذا الشهر ، و أنت قد تفتح الباب عنوة مفاجئاً إياى إذا لم ارد عليك .. إذاً المفاجئة ستكون من نصيبك أنت هذه المرة و لك أقول : صباح الخير يا عم بيومى أو ربما مساء الخير .. يمكنك اختيار الأنسب وفقاً لتوقيت قراءتك لهذه السطور .. هأنذا أمامك ميت ، و لكنى لم أحب أن تدخل فلا ألقى التحية عليك .. تعرف بالتأكيد أن الموتى لا يمكنهم إلقاء التحية، لكن الأحياء قبل موتهم يمكنهم الكثير فعلاً ، خاصة إذا كانوا على علم بموتهم .. كيف يكون الناس على علم بموتهم قبل حدوثه ؟! أسمعك تقول أن هذا يحدث للمنتحرين ، و لعمرى فقد عهدتك رائع الاستنتاج سريع البديهة يا عم بيومى _ لو كنت أنت هو ..

دعنى إذاً يا قارئى الأول أوجه رسالتى للجميع ، فهى كما تعلم تجربة متفردة ، ولابد أن هذه الأوراق ستنشر فى كل وسائل الإعلام ، و سيقبل عليها الكثيرون ..

لابد أنكم تتساءلون الآن : اللحظات الأخيرة قبل الانتحار .. كيف تبدو ؟؟ و بم يشعر الانسان فيها ؟؟ ما أمر به الآن هو صراع بين النفس و العقل .. تماماً كما نرى فى القصص المصورة أو أفلام الكارتون ؛ هناك ملاك على الكتف الأيمن و شيطان على الأيسر .. هذا ينهاك عن الشر و ذاك يحثك عليه حثاً ..

و هكذا فإن عقلى الآن يسألنى : ماذا تريد أن تفعل أيها المجنون التعس ؟ بينما نفسى تقول لى : ماذا تريد من هذه الدنيا و لماذا ما زلت متمسكاً بها أيها المأفون الغبى ؟!

سؤالكم التالى : لماذا أنتحر ؟؟ لكننى لن أجيب هذا السؤال .. لأن هذا هو فقط ما يفعله المنتحرون للأسف .. كلهم يضيعون هذا الوقت الثمين فى الحديث عن أسباب انتحارهم .. واحد يقول أنه انتحر لفشله فى الحب ، و الآخر لفشله فى الحياة .. فتاة تنتحر لأنهم أرغموها على الزواج ممن لا تحب ، و أخرى لأن حبيبها تركها .. بل إن كثيرين يؤكدون _ و ياللغرابة ! _ أنهم أقدموا على ذلك لأن حياتهم بلا مشاكل !! هذا بالطبع يصيبهم بالملل و يجعل الحياة بلا معنى .. المهم أنهم كلهم يتحدثون عن السبب و كأنهم مطالبين بتبرير موقفهم لكم ..

دعونى إذاً لا أتحدث فى هذا الموضوع ، لأن حياتى الشخصية لا تهمكم .. فقط تهمكم _ بالتأكيد _ تجربتى التى أمر بها الآن ..

أنا الآن على سطح البناية التى أعيش فيها بجوار سورها المطل على الشارع .. فقد أردت استنشاق آخر نسمة هواء لى ، كما قررت أن ألقى نظرة أخيرة على كل هؤلاء المتمسكين بهذه الحياة التعسة ..

و أنا الآن أمسك بيدى اليسرى سكيناً .. لا .. لن أنتحر بأسلوب قطع الشرايين إياه .. هذا ليس فى حسبانى ، لكننى أفكر فى شىء ما ..

نحن دوماً نكره الاحساس بالألم أو رؤية الدماء ، و ذلك بدافع حب الحياة .. ماذا إذاً و أنا لا أحمل الآن أى ميل نحو الحياة ؟! ماذا عن قطع عرضى فى البطن بالسكين ؟؟ أووووه !! هذا مؤلم حقاً .. و الآن طعنة مباشرة فى القد.....

آآآآآآه .. هذا كان أكثر إيلامأً !! إن قدمى الآن تؤلمنى جداً .. بم أشعر الآن ؟!! ما أشعر به هو النشوة !! إن روحى اقتربت من التحرر من حدود الجسد المقيتة ..

قد حان وقت التنفيذ إذاً .. سأترككم قليلاً ريثمأً أصل إلى مكان السلم حتى أهبط إلى الشقة .. و لكن كى لا أترككم طويلاً ، فسوف أضع نقطة مع كل خطوة أخطوها ..

(..........)

عشر نقاط .. عشر خطوات .. أنتم ماهرون جداً فى العد ، بينما أنت يا عم بيومى مندهش جداً بالتأكيد إذ أنك تأخذ السطح كله فى ست خطوات لا أكثر .. لكن أعذرنى فقدمى الآن مصابة .. أضف إلى هذا أن جزءاً من نفسى البشرية ما زال يؤخرنى قليلاً عن التنفيذ ، و هو ما يجعل خطواتى ناقصة غير كاملة ..

هأنذا قد وصلت .. و الآن دعونى أنزل السلم .. و لا تخافوا .. فشقتى تحت السطح مباشرة و لن أتأخر كثيراً .. و سوف أضع النقاط من جديد مع كل درجة أنزلها ..

(........)

ثمانية نقاط .. لكن ، كم عدد الدرجات ؟؟ لا .. ليست ثمانية .. عندما نهبط درجات السلم لا نعد الدرجة العليا التى نقف عليها قبل النزول و بالتالى يكون العد ناقصاً .. أظن أنكم فهمتم ، لكنك يا عم بيومى لم تفهم بعد هذه العملية المعقدة .. أنا واثق من هذا ..

أنا الآن أمام الشقة التى أقطن فيها .. فى هذا المكان سيقف غداً الاعلاميون محاولين الحصول على صورة أو معلومة .. لماذا ؟ لأن المجنون الذى يعيش بالداخل انتحر ..

لقد دخلت الشقة و نفسيتى لا تؤهلنى للعبة الحركة بالنقاط هذه ، بينما أى تحرك لى أو أى فاصل زمنى ستفهمونه بكلمة "الآن" التى ستبدأ أى فقرة تتلو الفاصل ..

الآن أنا فى غرفة نومى .. كنت قد دخلت منذ نصف ساعة ، و من ساعتها و أنا أعيد التفكير فى الأمر .. كنت أراجع نفسى لكننى الآن اتخذت القرار بالمواصلة ..

الأن أنا بجانب الكرسى ..

الآن أنا فوق الكرسى ، و قد عقدت الحبل حول عنقى ، و ربطت طرفه الآخر إلى السقف .. ربما يكون هذا آخر ما أكتبه و ما أسخف ما يقوله الناس قبل موتهم !! لكن كل ما أريد قوله هو أننى أكره دنياكم هذه .. أعيدوا التفكير قليلاً فربما تقدرون فعلتى حق قدرها ، بل و ربما تقلدوننى كذلك ..

محمود رأفت

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

سيدى المدير ..

إلى هنا ينتهى ما كتبه المريض ( حسين على )..

طبعاً فارق الاسم واضح بين اسم المريض ، و بين الاسم المكتوب على الأوراق ( محمود رأفت ) لكن لدى بعض التوضيح ..

المريض حسين تم تحويله إلى هنا ، فى مستشفى الأمراض النفسية و العصبية ، بسبب صدمة عصبية حدثت له ، بعد أن تعرض لحادث مرور مع صديقه العزيز .. و هذه الأوراق كما تعرف يا سيدى هى جزء من برنامجه العلاجى ..

حتى هنا و الأمر عادى ، لكن ما رأيك يا سيدى بأن اسم هذا الصديق هو محمود رأفت ؟! و أنه أصيب فى هذا الحادث بعاهة مستديمة سببت له فيما بعد أزمة نفسية وفقاً لكلام الكثيرين ..

المفاجأة الكبرى أن جرائد اليوم تحكى عن خبر انتحار هذا الشاب .. فى نفس توقيت كتابة المريض لهذه الأوراق .. و أؤكد لسيادتك أن كل التقاصيل متشابهة .. مكان الشقة .. اسم البواب .. طعنة القدم و القطع العرضى بالبطن .. بل اننى استطعت بطريقتى التأكد من عدد درجات السلم ، و عدد الخطوات من باب السطح حتى طرفه المطل على الشارع ، مع الوضع فى الاعتبار أنها خطوات قدم مصابة و إنسان متخاذل ..

إليك سيدى نقلت كل شىء بأمانة ، و أترك لسيادتك القرار بشأن إبلاغ الشرطة من عدمه ، و إن كنت أثق فى عدم تورط حسين فى أى شىء ، كما أشفق عليه مما يمكن أن يحدث له ..

و أنا أرجح أن صديقه ربما أخبره بما ينتويه ، فقام هو بكتابته فى نفس التوقيت ، لكنه ينفى ذلك سيدى بصدق غريب ، بل إنه لا يذكر أى شىء عما كتبه ، و ينفى قطعياً أنه كتب هذا الكلام بالأمس .. و لو فرضنا صدقه فهذا يصل بى للاحتمال الآخر ..

إن ما حدث كان حالة عقلية فريدة تستحق الدراسة ، نشأت بين الإثنين وقت الحادثة ، مكنت الفتى من متابعة كل هذا ، و تسجيله كأنه هو من يعيشه ، ثم نسيه تماماً بعدها ..

و لك سيدى فائق الاحترام و التقدير ..

طبيب تحت التمرين ..

محمد مجدى حيرم ..

تمت بحمد الله تعالى ..

These icons link to social bookmarking sites where readers can share and discover new web pages.
  • Digg
  • Sphinn
  • del.icio.us
  • Facebook
  • Mixx
  • Google
  • Furl
  • Reddit
  • Spurl
  • StumbleUpon
  • Technorati

الأوراق!!

الأوراق!!